دور الصحافة الموثوقة في نقل الحقيقة

نحن نعيش اليوم في “ضباب” (Fog) معلوماتي كثيف.

هذا الضباب ليس مجرد “غياب” للمعلومات، بل هو “فائض” سام منها. إنه مزيج خانق من (المعلومات المضللة، الأخبار الزائفة، البروباغندا، المحتوى المدفوع، ونصف الحقيقة). إنه “الضجيج” الذي تصنعه خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي التي تكافئ “الصدمة” على حساب “الدقة”.

في هذا الضباب، يصبح كل شيء غير واضح. “السفن” (وهي قراراتنا، وآراؤنا، ومجتمعاتنا) تفقد اتجاهها. يصبح من السهل جداً الاصطدام بـ “الصخور” المخفية (الأزمات، الاستقطاب، القرارات الخاطئة).

في هذا المشهد، لا تكون “الصحافة الموثوقة” مجرد “خيار” إضافي. إنها “المنارة” (The Lighthouse).


1. وظيفة “الضوء”: (الفعل الأساسي: التحقق)

“المنارة” لا “تخترع” الحقيقة (الشاطئ)، بل “تكشفها”. وظيفة الصحافة الموثوقة الأولى ليست “السرعة” (التي هي وظيفة “تويتر”)، بل “التحقق” (Verification).

  • الصحافة غير الموثوقة (الضباب): “يُقال…”، “مصادر تزعم…”، “انتشار واسع لـ…”. إنها تردد “الصدى” وتزيد الضباب كثافة.
  • الصحافة الموثوقة (الضوء): “مَن قال ذلك؟”، “ما هو دليله؟”، “هل هناك جانب آخر للقصة؟”.

هذا “الضوء” (المنهجية الصحفية) هو “شعاع ليزر” يخترق الضباب ليقول: “انتبهوا، هذه هي “الحقيقة” التي تم التحقق منها… وهذه هي “الصخور” (الأكاذيب) التي يجب تجنبها”.


2. وظيفة “البناء”: (الأساس المتين: الثقة)

“المنارة” لا قيمة لها إذا كانت “تطفو” أو “تتحرك” مع الأمواج. يجب أن تكون “مثبتة” على “صخرة” صلبة.

هذه “الصخرة” هي “الموثوقية” (Trustworthiness).

  • لماذا نثق بـ “المنارة”؟ لأنها لا “تغير” موقعها بناءً على “اتجاه الريح” (السياسة) أو “قوة الموجة” (الضغط التجاري). إنها تلتزم “بميثاق” واحد: “الأخلاقيات المهنية”.
  • ما هي هذه “الأخلاقيات”؟
    1. الاستقلالية: لا تعمل لصالح “جهة” سياسية أو “شركة” تجارية. ولاؤها لـ “الحقيقة” فقط.
    2. التوازن: عرض “حق الرد” وعرض جميع جوانب القصة.
    3. المحاسبة: عندما “تخطئ” (لأن البشر يخطئون)، فإنها “تعترف” بالخطأ و”تصححه” علناً.

الصحافة التي تفقد “استقلاليتها” أو “تتجاهل” تصحيح أخطائها، تتحول من “منارة” إلى “ضوء خادع” (Decoy Light) يغرق السفن عمداً.


3. وظيفة “الحارس”: (الدور الأسمى: الرقابة)

“المنارة” لا تضيء “الشاطئ” الآمن فقط، بل تضيء “الصخور” الخطرة التي لا يراها أحد.

هذا هو “الدور الرقابي” (The Watchdog Role) للصحافة.

  • “الضباب” (الفوضى): يسمح “للفساد” و”إساءة استخدام السلطة” بالنمو في الظلام.
  • “الصحافة الموثوقة” (الضوء): هي “الصحافة الاستقصائية” (Investigative Journalism). هي التي تحفر في “الأوراق” وتبحث في “البيانات” لتكشف ما يحاول “الأقوياء” إخفاءه.

هذا الدور “مزعج” للسلطات، و”غير مريح” للمجتمع أحياناً. لكن “الضوء” الذي يسلطه هو “الإنذار المبكر” الذي يمنع “السفينة” (المجتمع) من الغرق.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *